محمد عبدالقادرمقالات

محمد عبد القادر يكتب: اطفال الخرطوم… عزائي في ليلة المولد

لن ترافقوا اباءكم وامهاتكم هذا العام الى ميدان المولد المنصوب فى ساحات الخرطوم تسوره القناديل وخطوط الضوء التى تحاكي الوانها جبة الدراويش، لن تستمتعوا ب(حلقة) الشيخ الذى يرجحن ( يضرب النوبة ضربا فتئن وترن)، لن تتمكنوا من شراء (العروسة ولا الحصان), فهذا وهلى بساطته ترف انتهى فى ازمنة غابرة ذهب فرحها خببا وبقيت منها ذكريات ليلة ميلاد الرسول الكريم وطقوسها الرافلة فى الايمان والسعد والعافية، لن تتخيروها سمسمية وفولية وجوز هند ، فلقد ولى طعم السكر الى ( حين اشعار اخر)… اختفى الطيب سيد مكي صانع الطعم الجميل الحمد لله انه حي يرزق بعد ان اشاعوا مقتله بواسطة الجنجويد الذين لم يتركو جميلا الا وقتلوه ولم يغادروا جريمة الا وارتكبوها ، ستشتاقون للزلابية المعطونة فى عسل اللحظات العامرة بالذكر ، وللهدايا الموزعة على حلقات التلاوة، لن تشنف اذانكم المدائح فقد حل مكانها صوت الرصاص ، مثلما غمرت رائحة الجثث والبارود ساحات الموالد التى لطالما تكرفنا فيها عطر الصندل وابخرة الند والعنبر ، يا الهي لقد تغير الحال وماعاد الزمان يسمح حتى باحياء ذكرى ميلاد الرسول، حتى الكابلى الذى كان ينثال مدح الرسول من صوته المحلى بالوقار مات وانقضت ايامه عجلى ليسلمنا الى فراغ وحزن لا ينتهي …لهفي على اطفال الخرطوم، فلقد فقدوا كل شئ.. كل شئ..

رب سبحانك مختاراً قديراً أنت هيأت القدر..ثم أرسلت نذيرا… للبشر..آية منك ونورا
هو عين الله لولا ضوؤه ..لم نر العالم في شتى الصور..جعل الموت رجاء.. وبقاء ..
وغراساً منه لا يفنى الثمر
صل يا رب على خير البشر ..الذي أسرج في ليل حراء
قمراً أزهر من بدر السماء…يقرأ الناس على أضوائه
حكمة الخلق وأسرار البقاء ..من إله قد هدى بالقلم …علم الإنسان ما لم يعلم.
صل يا رب على المدثر …وتجاوز عن ذنوبي واغفر
وأعني يا إلهي بمتاب أكبر
ليلة المولد يا سر الليالي والجمال
وربيعاً فتن الأنفس بالسحر الحلال
موطني المسلم في ظلك مشبوب الخيال
طاف بالصاري الذي أثمر عنقود سنى كالثريا
ونضا عن فتنة الحسن الحجاب…ومضى يخرجه زيّاً فزيّا
وزها (ميدان عبد المنعم) ذلك المحسن حياه الغمام
بجموع تلتقي في موسم والخيام..قد تبرجن وأعلن الهيام
وهنا حلقة شيخ يرجحن…يضرب النوبة ضربا فتئن وترن
ثم ترفضّ هديراً أو تجن
وحواليها طبول صارخات في الغبار…حولها الحلقة ماجت في مدار
نقزت ملء الليالي …تحت رايات طوال
كسفين ذي سوار…في عباب كالجبال
وتدانت أنفس القوم عناقاً واصطفاقاً ..وتساقوا نشوة طابت مذاقاً
ومكان الأرجل الولهى طيور…في الجلابيب تثور.. وتدور
تتهاوى في شراك …ثم تستنفر جرحي وتلوب في الشباك مثلما شب لهيب
وعلا فوق صدى الطبل الكرير..كل جسم، جدول فيه خرير …ومشى في حلقة الذكر فتور
لحظة يذهل فيها الجسم والروح تنير ….عيون الشيخ أُغمضن على كون به حلم كبير
والمقدم..يتغنى يرفع الصوت عليا …وتقدم …يقرع الطبل الحميا
ورم الذكر وزمزم …واستقامت حلقته وانحنت حين انحنى
وهوت والطبل نار تتضرم …وتصدى ولد الشيخ وترجم
حيث للقطب حضور …وتداعَى وتهدم
وينادي منشد شيخاً هو التمساح..يحمي عرشه المضفور من موج الدميرة
ندبوه للملمات الخطيرة …شاعر أوحى له شيخ الطريقة
زاهد قد جعل الزهد غِنى ..فله من رقع الجبة ألوانا حديقة
والعصا في غربة الدنيا رفيقة .. وله من سبحة اللالوب عقد
ومن الحيران جند وله طاقية ذات قرون
نهضت فوق جبين واسع رققه ضوء اليقين
وفتى في حلبة الطار تثنى وتأنَّى …وبيمناه عصاه تتحنَّى
لعبا حركه المداح غنَّى.. رجع الشوق وحنَّا
وحواليه المحبون يشيلون صلاة وسلاما …ويذوبون هياماً
ويهزون العصيا ..ويصيحون به أبشر لقد نلت المرام..
وفتاة لونها الأسمر من ظل الحجاب – تتهادى في شباب وارتياب
قد تحييك وتدعوك بأطراف الثياب- وهي قيد وانطلاق -واضطراب واتساق
إن نأت عنا وأخفتها الديار- فعروس المولد الحلوة جلاها التجار
لبست ألوانها شتى أميره – ما أحيلاها صغيره – وقفت في كرنفال
فوق عرش دونه الحلوى كنوز ولآلي – من أساطير الخيال
وهي إن تصمت ففي أعينها الوسن انتظار
حولها الأطفال داروا- بعيون تلمع الألوان فيها وتذيع
وبها من بهجة رفت دموع- لهفتا كم عصف البؤس بأطفال صغار
وردوا المولد بالشوق وعادوا بالغبار – ويح أم حسبوها
لو أرادوا النجم جاءت بالدراري – ويحها تحمل سهد الليل في صحو النهار
رب أرسلت يتيماً – قام بالحق رحيماً – قد ذكرناه فهل نذكر من أمسى عديماً
وهنا في الجانب الآخر سوق- هو سوق (الزلعة)وبه طبل وبوق – من صراخ الرغبة
حفلت دولته في حلة سلبت كل العيون والظنون
كيف لا يا لذة الليل ويا أم الفتون
ربها قلّب عينيه خطيباً في الجماهير الغفيرة
مرسلاً من ناره ريح شواء- تتهادى في الفضاء
بنداء لم يجد فينا عصيا – ودعانا .. ثم حيّا .. وتهيّاً
وحواليه الكوانين الوقوره – ولها من داخن الفحم ذريره –وحريره، وضفيرة
ترشق (الأسياخ) فيها – نظمت باللحم نظماً- وارتوت دهناً وشحماً
ودخلنا مطبخاً زاط ولا قصر الإماره – ربه البادن عراف اتته كل حاره
وتعيشنا وأحسسنا أمانا- وشربنا وارتوينا
ومشينا، وشعرنا بنعاس في خطانا
وسلام هو لو دام لأحمدنا الزمانا – ومضى الليل وناداني سريري والمنام
فتركت المولد الساهر خلفي والزحام – من نفوس رجت الري ولم يهمل غمام
فهي ظمأى في القتام
وبسمعي الطبل دوّى من بعيد – كوليد.. في دجى الليل وحيد
وبقايا من نشيد – عبرت سمعي طيرا
في ظلام بشر الآفاق بالصبح الجديد والوعود
ربِّ في موطني المسلم قد عدنا إليكا – ما اعتمدنا ربنا إلا عليكا
وذكرنا الهادي المختار ذكرى – ملأت أرواحنا طُهراً وصبرا…

كل عام وانتم بخير..
وصلى الله عليك يا رسول الله..

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى