عاجلمقالات

كمال محمد الامين المحامي يكتب: هنالك مساحة للعقل في الرياضة

 

الرياضة جزء من نسيج المجتمع الذي نعيش بين جنباته وهي إنعكاس له ، فهي تعاني ممايعانيه ، وتتمتع بما يتمتع به ، والمجتمع الذي يعاني من ويلات الحرب ومشكلات الفقر والعنصرية ، والتفسخ ، لن تكون الرياضة مجرد وسيلة للهرب لأفراده ،فإذا إستشري العنف في المجتمع وعلا خطاب الكراهية والتخوين حتما سوف تتحول ملاعبه إيضا لساحات قتال وأرض مناسبة للصراع الاجتماعي ، فإذا ما سعي السياسيون ورجال الأعمال للنجاح بأي ثمن ، تحول المناخ الرياضي إلي مرتع للفساد بما في ذلك الرياضيون والإداريون .
ويحفل تاريخ الإنسان بألوان من التمايز بين البشر ، ولعل التمييز العنصري هو أقصي أنواع التمايز وأشدها وطأة علي الإنسان ، فهو لم يترك مجالا ولا نشاطا إنسانيا إلا وأطل منه بوجهه القبيح ولم تستثني الرياضة من ذلك بالطبع.
وفي بقاع كثيرة من العالم عاني الملونين من إبناء البشر من مساوئ التمييز العنصري فكان لون بشرتهم يضعهم في مرتبة أدني كثيرا من الأفراد البيض ويلاحظ ذلك بصورة أكبر في المجتمع الأمريكي والفرنسي .
لكن بفعل الرياضة والرياضين توالي ظهور اللاعبين الزنوج المتفوقين ، فكان جاكي روبنسون أول لاعب بيسبول ( كرة القاعدة) أسود في أمريكا ، كما آثارت إنتصارات جو لويس الملاكم الأسود الكثير من الجدل ثم بعد ذلك توالت العديد من الأجيال من الرياضيين الأمريكيين السود ، فكان محمد علي كلاي من العلامات البارزة في هذا السياق فهو فضلا عن كونه أسود فهو من الأقليات المسلمة في المجتمع الأمريكي ولعل الجميع يتذكر مظاهر العنف والإضطهاد التي واجهته رغم تفوقه الرياضي الباهر.
لقد أسهمت ظاهرة اللاعبين الأفارقة في أوربا بوجه عام وفرنسا علي وجه الخصوص في حصول فرنسا علي كأس العالم ..
ولعل نجاح اللاعبين السود في أمريكا وأوربا صار يمثل ترياقا واضحا ضد معالم العنصرية وتعزيز لدور الشباب والأقليات السوداء ورأينا كيف تمكن هؤلاء اللاعبين بفضل مهاراتهم وقدراتهم من الإسهام في أن تعدل كل القوانين التي كانت مصممه علي التمييز بين البيض والسود.
ولعل ماحدث في دورة أتلانتا من إعتداء إجرامي علي الآمنين وجد إستنكار عالمي ؛ لأننا نريد اللعب النظيف فهو مثال لقيم الحرية والمساواة والتسامح بين كل الشعوب وكل الأجناس والأديان .. فالبيض يصفقون للسود ، والسود يصفقون للبيض ، والرجال يصفقون للنساء وللفتيات الصغيرات ويرون كل ذلك من نعيم هذه الدنيا.
فصارت الدورات الأولمبية هي سوق التفوق والإمتياز بين كل شعوب الأرض .. واللعب علي المكشوف؛ فالحلال بين والحرام بين .. فالعقاب فوري وصارم .. فالملعب هو محكمة علنية .. يجلس فيها المتهمون والشهود والقضاة في مكان واحد .. فإذا أخطأ اللاعب كان عقابه فوريا ولا راد لحكم القضاء .. فإن تسلل اللاعب – يعني هذا في قانون اللعبة – أنه سرق الهدف – تتم معاقبته فوريا .. هذا ما يميز الرياضة .. أما في الحياة العادية فإن سرق اللص من الوظيفة العامة أو حتي من البنوك أو الأفراد أو أكل المال العام علي عينك ياتاجر فإن هذا اللص لايعاقب فورا !!! وحلنا بقي عندما يجدوا أن هذا اللص حشد لبراءته أبرع المحامين ؟!
رإينا قبل ذلك كيف أن اللجنة الأولمبية الدولية رفضت كل أشكال العنصرية ورفضت العنف والقهر … فقد إحتجت عشرات الدول علي إشراك روسيا في الدورة الأولمبية بسبب عدوانها علي المجر … وخرجت روسيا ، وإعترضت دول علي جنوب أفريقيا وروديسيا بسبب ممارسات التفرقة العنصرية وخرجتا .
في العام 1936م لاحظ رئيس اللجنة الأولمبية الدولية في برلين أن هنالك لافتات علي دورات المياه تقول : ممنوع دخول اليهود. والكلاب !
فإعترض وهدد بالإنسحاب إذا لم يتم إزالة هذه الإهانه ، وقابل هتلر فقال له هتلر : ليس من حق الضيف أن يطلب إعادة تنظيم المائدة التي دعي اليها……
وكان رد رئيس اللجنة الأولمبية الدولية لهتلر ، أن أي مكان يرتفع عليه علم الدورة الأولمبية صار دولة قائمة بذاتها تسمي دولة أولمبيا وهي دولة مستقلة ذات سيادة ونحن هنا. السادة!
فقد نزعت هذه اللافتات بفضل قوة الرياضة ..
ورإينا ذلك يتجسد في فقه القانون عندما أرست المحكمة الدستورية في السودان. المبدأ القانوي. بأن الفيفا ليست إمبراطورية تتحكم في العالم. وإنما هي تجسيد لإرادات كل الدول. الأعضاء المنضوين تحت لوائها. هكذا هي الرياضة مساحة للعقل والتعقل .
تحياتي

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى