ايمن كبوشمقالات

ايمن كبوش يكتب: الجزيرة في رمضان.. مائدة الناس الحُنان

افياء

ايمن كبوش

الجزيرة في رمضان.. مائدة الناس الحُنان

تفاصيل منسية على الطريق القومي.. من سوبا وألتي وام دقرسي ومدني السني..

# قلت له: لن ننسى تفاصيل تلك الايام التي تصادف العشر الاواخر من شهر رمضان الكريم، حيث نعد راحلتنا للسفر ونسدد حسابات (اعمال سنة) لكي ندخل في اجازة مفتوحة نعتزل فيها (مهنة الرهق والتعب) ونفارق لهاث الخرطوم وغبارها العالق.

# تبدأ الرحلة من سوبا حيث نتزود بالوقود، ثم تتناثر المدن والقرى والبشاشة والبساطة على امتداد الطريق القومي، الخرطوم سنار، مثل حبات المسبحة الصوفية، الباقير.. الجديد عمران والجديد الثورة.. جياد الشقلة عوج الدرب.. المسعودية.. ألتي.. امغد.. ابو روس.. البشاقرة والكاملين.. اربجي.. والحصاحيصا.. والقريقريب وام دقرسي وود الماجدي والعيكورة وفداسي، عامراب وحليماب.. الناس والاشياء والامنيات.. والدعوات الصادقات بسلامة الوصول..

# في هذا الوقت من كل عام، كان السودان كما لم يكن الآن.. سودان الاشياء الجميلة واليوم الاول للتراويح.. اصوات التسبيح، وتلاوة الصباح.. المساجد واضواء الزينة والسباق المحموم وزحام الطرقات في الخرطوم.. (اللمة المنسية) و(الضرى) وقطاع الطريق.. لم يبق من ذلك القبس المضيء في ذاكرة الايام ورمضان، الا انسان الجزيرة.. واي جزيرة.. ؟

# صحيح اننا لم نأخذ من طيبتهم ومن سماحتهم المركوزة.. الا ذلك الوصف الذي يحاول به البعض ان يجردهم من قواعد ’’الاوتوكيت’’… مع انهم فينا اكبر وانضر من ذلك الوصف بكثير ؟.. اهل كرم وجود وتواصل انساني نبيل.. “اهل العوض” الذين نسينا انهم مثل تدفق النيل في البلد الطيب.. وتمدد بحر ابيض نحو القيف الذي يشبه حنية الحبوبات وتمام الشمل في ليال الاعراس.. وليالي الحصاد.. وذاك النغم المنتظم (يا الخدير انا ماني حي النقدو الطير انا ماني حي)..

# من كل هذا المزيج الرائع.. ومن كل هذه الضفاف جاء انسان الجزيرة الذي البسناه رداء ’’اهل العوض’’ تقليلاً وتقتيلاً.. ونزعنا عنه كل تلك الفضائل التي تضعه مباشرة في مرتبة النبل.. والفضل.. التقى.. نحن لا نملك لاهلنا في الجزيرة من امرنا شيئا غير الدعاء، فتمتد امنياتنا ونحن نستدعي تلك الايام المباركة المغموسة في ذلك البحر المعطاء والنهر الموشى بالعطاء، نهر الجود والكرم والتكافل السوداني المتجاوز لكل عثرات الطريق.. مازال انسان الجزيرة يمثل ذلك الشعب الذي ينسل من ركام ابتلاءاته الكثيرة، مليون منفق ومليون محسن ومُدّرج لكي يمسح دمعه أو يوفر لقمة أو يدحرج جرعة في اوردة المرض والسقم، حيث تحفظ الجوامع والمساجد والمسايد ذلك الصنيع المبذول على كرامات الوطن الجريح.. واليوم الاثنين الموافق 11 مارس 2024 يأتينا رمضان الفضل والجود والكرم والفضائل.. ونحن نستنجد بالماضي ونغالب حرب الخرطوم والجزيرة والسودان (عموم).. نغالب كل ذلك لكي نصرعه بذكريات منسية من امسيات السفر وليالي السهر والقمر والنهر والسمر.. نطارد نهارات الرهق والتعب والعافية والنفس الصافية.. بحق البساطة والاناقة والسمو الروحي وغسل الاخلاق في مسامات الطيبة.. يأتينا رمضان لنولد من جديد.. نجرد ما مضي ونقيم الحاضر.. لكي نتجاوز انكسارات البلد واختطاف الوطن لاننا (سودانيين) بطبيعتنا.. متكافلون بالنية السليمة والخير الباسط فينا محبة وبشاشة وأمنيات.. يأتينا رمضان.. ونحنا في وضع جديد وظروف بالغة التعقيد لم يتبق منها الا الماضي.. العير والنفير وموائد الرحمن والناس الحنان المتدفق فينا نهر الحب طيباً وسماحة.. في كل شارع.. في كل زقاق.. في كل ناصية، يأتينا رمضان ليحيي فينا روح المسيد والتقابة وقدح الضيفان.. الشيوخ والمريدين والحيران.. ذلك الانسان المفضال الذي يقطع عليك الطريق في امغد او ام دقرسي او فداسي، فيحلف عليك بكل عزيز لديك لكي تهبط من أي راحلة.. يستمهلك ان تنزل وهو الذي صنع لك ولغيرك مائدة رمضانية محترمة يجاورها عصير الحب الذي يروي عطشك ثم يغرقك في قدح الود لتنسى جوعك.. يستبطيك ان تبقى حتى الصباح وليس بينك وبينه سوى هذا الدم الاسمر وشهادة لا إله إلا الله محمدا رسول الله..

# انه انسان الجزيرة.. له كل الحب بامتدادات المساحة من سوبا ومدني السني وارضنا الحبيبة سنااااااار.. رمضان كريم.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى