مقالات

د حسن علي عيسى يكتب: في رثاء عبقري الدارجة السودانية وفارس العربية الفصحى الهاشمي الكرار

بساطة ونقاء (كمبو المحالج) وإباء وشمم (الحلة الجديدة)

أخطأت حين وصفته بدفعتي في الحصاحيصا الغربية وهو الذي كان وراءنا ببضعة سنوات ولعل حضوره الباذخ في المدرسة وعبقريته اللغوية الفذة التي سبقت سنه تلك بسنوات ضوئية ونشاطه الدافق وحرصي علي ان القاه دون انقطاع في حوش تلك المدرسة التي قدمت للسودان لاحقا خيرة العلماء والادباء والمفكرين والمهنيين هي التي قادتني الي ذلك الخلط.
فقد كان الاصبح محيا والأذرب لسانا والأوفر أدبًا من باب الطبع لا من باب التطبع.. وكان لنشأته بين شرفاء ومبدعي (كمبو المحالج) وقلعة الادب والفنون وكرة القدم (الحلة الجديدة) القدح المعلى في عجم عود موهبته وصقل تفرده الفطري ليصبح ذلك القاص المصور الذي يحول الحروف الي أماكن والكلمات إلي شخوص.
كان يمزج بين الدارجة السودانية وفصيح العربية فيصعب علي القارئ أن يحدد أيهما يمثل مكمن إجادته ونبوغه وتميزه.. وكان الكمبو يمثل خلاصة العمال الكادحين في ذلك الوقت الذي كانت فيه خشونة الايدي تقف دليلا علي سلامة مصدر الرزق.. واشتهر أهل تلك البقعة الطيبة من (الحصاليزا) كما يحلو لي أن أناديها علي وزن (موناليزا دافنشي)، من المبدعين في مجال كرة القدم ضمن مجالات وأنشطة أخري.
وهناك أسماء سعدت بصحبتها وزمالتها في كشف نادي الهلال العريق، وحيثما ذكر الهلال إنبلج الجمال في أثوابه القشب.. وآخرون نازلناهم وهم يرتدون الزي الاحمر والاصفر فكنا وفقا لنهج وسلوك ذلك الزمن الجميل نحمل علي بعضنا البعض قوة وبأسا وعنفا في الملعب لنلتقي مساء على طاولة عشاء علي نفقة الفائز، وكنا نتمثل قول الحردلو (كاتال في الخلا وعقبان كريم في البيت).
وهناك سؤال لم يغب عن ذهني طوال السنوات التي أعقبت تشتتنا وتفرقنا في أنحاء الأرض مفاده ؛ كيف لم يجد لاعبون بكل تلك المواهب المتفرده الأصيله طريقهم إلي أندية القمة السودانيه والمنتخب الوطني؟
ولا زلت في كل مرة يطرق ذلك السؤال ذهني أشتم رائحة قصور اداري من مسؤولي الانديه في ذلك الجميل .
رحم الله من انتقل منهم إلي دار الخلود وأطال أعمار الاحياء. أما ثدي الإبداع الثاني الذي رضع منه مبدع زمانه (الهاشمي الكرار ) فهو الحلة الجديده بشيبها وشبابها و( شبيبتها) كنز الإبداع الذي لا ينضب قيما وعلما وفنا ورياضة.
فان كانت الشبيبة تمثل حاضنتها الرياضية التي تخرج في صفوفها صفوة لاعبي المدينة المبدعين فقد ضجت منتدياتها بالأدباء والموهوبين ويكفي أن يكون المبدع الراحل المقيم هاشم أحد الذين رضعوا ثم أرضعوا من ثدي ذلك التفرد الذي لم ينضب معينه إلي يومنا هذا.
واذا كانت ( الزهره الجديده) أديس أبابا قد تميزت بارتفاعها الكبير عن سطح البحر فقد تمثل ارتفاع الحلة الجديدة في علوها و في نقاء سريرة أهلها وتعاضدهم وسيل عطائهم الابداعي المنهمر.
فلا غرو أن تتوهج موهبة الحبيب الراحل هاشم كرار وهو يتفيأ ظلال كل هذه الدوحات الباسقات قبل أن يملأ الدنيا ويشغل الناس.
حيث أنه نشأ في بيت كريم وارضعته والدة كريمة وغاية في الذكاء عمدت إلي تغيير إسمه المقترح إلي هاشم كي يحلو لها مناداة والده( بابي هاشم).
خرج هاشم الي الدنيا ذكيا وفيا وحفيا بأهله وبيته وأسرته. ولا غرو أن أسكن رفيقة دربه( قفصه الصدري) وبادلته أسرته وفاء بوفاء وصمودا بصمود
ووقف الجميع( حافي حالق) والهاشمي الكرار يمد لسانه هازئا برياح المرض وبالفناء. كان يبث الدفء والإطمئنان في نفوس زائريه لإيمانه المطلق بقضاء الله وقدره فيتحسس الزائر المشفق إيمانه الشخصي قبل أن يفارق هاشم وهو أكثر إيمانًا بالقضاء والقدر.
فكأني به المعني بالبيت القائل: تجده اذا أتيته متهللا -كأنك تعطيه الذي أنت سائله. رحم الله الأمير هاشم وتقبله في الصالحين في جنات عرضها السموات والارض أعدت للمتقين.
وما كنت أعرف قبل دفنك في الثرى أن الكواكب في التراب تغور.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى